العذاب ليس له طبقة
"الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب.
وساكن الزمالك الذي يجد الماء والنور والسخان والتكييف والتليفون والتليفيزيون
لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط
والمليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة و الخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق.
والذي أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة ولا يعرف طعم الراحة.
والرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء وانتصر في كل معركة
لم يستطع أن ينتصر على ضعفه وخضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين وانتهى إلى الدمار.
و الملك الذي يملك الأقدار و المصائر و الرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته.
وبطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعد الفوارق.
وبرغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب.
فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوض بقدر ما يحرم و ييسر بقدر ما يعسر..
ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية..
ولما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور.
إنما هذه القصور و الجواهر و الحلي و اللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب..
وفي داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة.
والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق.
ولو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق ولو أدركه القاتل لما قتل ولو عرفه الكذاب لما كذب.
ولو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس ولسعينا في العيش بالضمير ولتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب في الدنيا ولا مغلوب في الحقيقة
والحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر ومحصولنا من الشقاء و السعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات..
فالعذاب ليس له طبقة وإنما هو قاسم مشترك بين الكل..
يتجرع منه كل واحد كأسا وافية ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر وتباين الدرجات والهيئات
وليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف..
فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة وتلك نفوس مستنيرة
ترى العدل و الجمال في كل شيء وتحب الخالق في كل أفعاله..
و هناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلى حقد أسود و حسد أكال..
وتلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.
وكل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائي في العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقي.. أو السعادة الحقيقية..
فأهل الرضا إلى النعيم وأهل الحقد إلى الجحيم.
أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط
بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل.. والكل في تعب.
إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف.. فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها وما تفاضلت إلا بمواقفها.
وليس بالشقاء والنعيم اختلفت ولا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت ولا بما يبدو على الوجوه من ضحك وبكاء تنوعت.
فذلك هو المسرح الظاهر الخادع.
وتلك هي لبسة الديكور والثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال
حيث يبدو أحدنا ملكا والآخر صعلوكا وحيث يتفاوت أمامنا المتخم والمحروم.
أما وراء الكواليس.
أما على مسرح القلوب.
أما في كوامن الأسرار
وعلى مسرح الحق و الحقيقة..
فلا يوجد ظالم ولا مظلوم ولا متخم ولا محروم..
وإنما عدل مطلق و استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة لا تتخلف
حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم وينير بها ضمائر العميان ويلاطف أهل المسكنة
ويؤنس الأيتام والمتوحدين في الخلوات ويعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم..
ثم يميل بيد القبض والخفض فيطمس على بصائر المترفين ويوهن قلوب المتخمين ويؤرق عيون الظالمين ويرهل أبدان المسرفين..
وتلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم والنسمات المبشرة التي تأتي من الجنة..
والمقدمات التي تسبق اليوم الموعود..
يوم تنكشف الأستار وتهتك الحجب وتفترق المصائر إلى شقاء حق وإلى نعيم حق..
يوم لا تنفع معذرة.. ولا تجدي تذكرة.
وأهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم وأهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة
وقبلوا ما يجريه عليهم ورأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا،
فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب وراحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن..
بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض،
ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم وأحمالا من الخطايا وظمأً لا يرتوي وجوعا لا يشبع.
فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت.. واغلق عليك بابك وابك على خطيئتك."
(من روائع دكتور مصطفى محمود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له)
Wednesday, October 13, 2010
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعد الفوارق.
Thursday, October 7, 2010
أيمكن أن يخالف الظاهر الباطن إلى هذا الحد؟ أيمكن أن تخدع الصور، و تكذب العين و اليد و اللسان؟ أيمكن أن تصبح الحياة كلها تمويها؟
بطل الحادث (( سليمة إبراهيم )) 801 جنايات الصف، اشتركت مع أخيها – 17 سنة – في قتل زوجها ضربا و خنقا، ثم هجمت عليه و أكلت أعضاءه و هو ميت.. هكذا تقول اعترافاتها المفصلة أمام وكيل النيابة و القاضي.. و هكذا شهدت الوقائع كما تشهد الجثة.
قرأت الحادث مع الألوف الذين قرأوه، و شعرت معهم بتلك القشعريرة الباردة، و الفضول إلى معرفة هذا الحادث الغريب في وحشيته.
هل يمكن أن يبلغ الغل بإمرأة إلى هذا المدى.
و ماذا يمكن أن تكون صورة هذا الوجه الذي يأكل الميتة.
طالعتني في سجن النساء بالقناطر إمرأة وسيمة، دقيقة الملامح، أسنانها جميلة كصفين من لؤلؤ.. على وجهها سكينة و طمأنينة.. تصلي و تصوم، و تنام نوما هادئا عميقا.. و كلامها كله عن رحمة الله و أمر الله و حكمة الله.. و كأنها رجل صوفي ضل مكانه.
أيمكن أن يخالف الظاهر الباطن إلى هذا الحد؟
أيمكن أن تخدع الصور، و تكذب العين و اليد و اللسان؟
أيمكن أن تصبح الحياة كلها تمويها؟
و كيف يخلق الله للحقائق البشعة وجوها جميلة؟
و ما الدافع الذي أخرج من الباطن كل هذا الشر المخفي؟
و ما الذي هتك الحجاب و كشف النفس على ما هي عليه.
الزوج تزوج عليها..
هذا أمر عادي في البدو..
و هو يتكرر في تلك البيئة دون أن تأكل النساء أزواجهن.
الزوج طلق الزوجة ثم ردها..
كان يسيء معاملتها أمام الزوجة الجديدة.
أهي غضبة للنفس و للكرامة؟!
و لكن الزوجة اعترفت بأنها كانت على علاقات متعددة مع رجال متعددين أثناء الطلاق فهي لم تحفظ لنفسها كرامة..
كيف لا يبدو كل هذا الخراب النفسي على ذلك الوجه الجميل السمح الوديع، المطمئن الهادئ كأنه وجه قديس.
تذكرت رجلا جميلا رأيته ذات مرة.. كان جميلا فاتنا مفتول العضل، جذاب الصورة كأنه نجم سينما.. و كان مهذبا يتكلم بنبرة خفيضة.. و كان يجفل بنظراته في حياء.. ثم تبين لي فيما بعد أنه مجنون يعالج بالصدمات الكهربائية.
كان باطن الرجل خرابا مطلقا..
و كانت حقيقته الخواء.
و كان فارغا تماما و مجوفا من الداخل.. إلى هذا المدى يمكن أن تكذب الصور و تخدع الأشكال.
(( إن الله لا ينظر إلى صوركم و لا إلى أشكالكم و إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم )).
في ليلة الجريمة عاد الزوج إلى زوجته بهدية من الحلوى ليصالحها (( لم يكن يدري برغم سنوات المعاشرة الطويلة أنه ينام كل ليلة مع ضبع )).. قتلته في لحظة غزل.. كيف واتتها الشجاعة؟
نفس السؤال يلح علي باستمرار.
كيف تتنكر الحقائق في غير ثيابها؟
و يلبس الباطل الحق..
و يلبس القبح الجمال.
و تلبس الجريمة الحب.
و كيف يخلق الخالق هذه العبوات الجميلة لهذه النفوس البشعة؟ كيف يضع السم في وردة و يضع العسل في عقرب، و يخفي المتفجرات في أقنعة من حرير؟
أهذا مصداق الآية:
(( و الله مخرج ما كنتم تكتمون )) (721 – البقرة).
أهو المكر الإلهي الذي يستدرج به الله النفوس، و يمتحنها بعضها ببعض ليفضح خباياها و مكتوماتها، و ليخرج حقائقها و يكشف بشاعتها، فإذا بالمرأة الجميلة جلادا و إذا بالرجل الدميم ملاكا..
هي لا تشعر بندم أو تأنيب ضمير.. و يقينها أنها على الحق.
أيمكن ألا يعرف الواحد منا نفسه؟
لقد قال أبوبكر أنه لا يطمئن إلى أنه صار إلى الجنة حتى و لو دخلت إحدى رجليه الجنة، مادامت الرجل الثانية لم تدخل بعد.. و ذلك خوفا من مكر الله.. خوفا من أن يكشف الله في اللحظة الأخيرة شرا مكتوما في نفسه يدخله به النار الأبدية.. شرا كان يكتمه أبوبكر في نفسه دون أن يدري به أو يدري عنه.
و تلك هي ذروة التقوى..
خوف الله..
و التواضع و عدم الإطمئنان إلى براءة النفس و نقائها، و خلوها من الشوائب..
و عدم الغرور بصالح الأعمال..
و خوف المكتوم الذي يمكن أن يفتضح فجأة بالامتحان..
لم يكن أبوبكر من أهل الدعاوي..
لم يكن يدعي لنفسه منزلة أو صلاحا..
و إنما كان من أهل الحقائق..
و أهل الحقائق في خوف دائما من أن تظهر فيهم حقيقة مكتومة لا يعلمون عنها شيئا تؤدي بهم إلى المهالك، فهم أمام نفوسهم في رجفة..
و أمام الله في رجفة..
و ذلك هو العلم الحق بالنفس و بالله..
فالنفس هي(( السر الأعظم )).. و هي الغيب المطلسم..
هي غيب حتى عن صاحبها.. لا تنكشف له إلا من خلال المعاناة.. و هي في مكر دائم تظهر وجها من وجوهها، و تخفي ألف وجه..
و الله غيب مطلق و خفاء تام.. و هو سبحانه ذروة المكر إن صح القول..
لماذا وصف الله نفسه بالمكر؟ و قال:
(( و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين )). (30 – الأنفال).
و ما الفرق بين مكر الله و مكرنا..
و كيف يمكر الله..
الله يمكر لإظهار الحقيقة..
و نحن نمكر لإخفائها..
و لهذا كان مكر الله خيرا كله، و مكرنا سوءا كله..
مكر الله نور و مكرنا ظلمة..
مكر الله عدل و مكرنا ظلم..
و هل هناك أسوأ من مكر هذين الصفين من الأسنان اللؤلؤية التي تأكل الميتة، و تمتص الدم البارد و توشوش بالحب، و تضمر الموت؟!
شيء واحد في مظهر هذه المرأة العجيبة كان ينم عليها.. هو صوتها..
ذلك الصوت النحاسي المعدني الذي يخرج عاليا حادا رتيبا على الدوام، و كأنه يخرج من أنبوبة معدنية و ليس من قلب يشعر.
صوت لا يبدو فيه حزن و لا فرح و لا غضب..
صوت معرى مجرد من جميع المشاعر..
صوت أقرع أملس لا يشف عن أي انفعال.. يعطيك الإحساس دائما بأن هناك شيئا غير إنساني يتكلم، و إنك أمام جماد ينطق..
تتكلم عن الحب كما تتكلم عن الكراهية..
تتكلم عن رحمة الله كما تتكلم عن انتقامه بنفس الوجه الجامد و النبرة النحاسية الرتيبة..
يخيل لمن يسمعها أن هناك شخصا آخر يتكلم في داخلها.. شيطانا.. أو جنا.. أو ملقنا يتكلم من وراء خباء..
هل يمكن أن تتلبسنا الشياطين..
الله يقول إن الشياطين لا تتسلط إلا على أشباهها، و إنه لابد أن تكون هناك مشاكلة و مجانسة بين اثنين ليتسلط واحد على الآخر..
(( شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )) (112 – الأنعام).
الشيطان لا يتسلط إلا على شيطان مثله، حيث يمكن التواصل و التأثر بحكم المشاكلة..
أما عباد الله فلا مدخل للشيطان عليهم..
فالله يقول لإبليس..
(( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) (42 – الحجر).
فلا حجة لمن يقول.. تسلط علي الشيطان.. فنحن نرد عليه قائلين.. ( لأنك شيطان مثله ).
و لمن يتصور أن المكر الإلهي ينافي العدل.. نقول بل هو عين العدل.. فالله لا يمكر إلا بماكر.
(( يمكرون و يمكر الله )) ( 30 – الأنفال).
(( يكيدون كيدا، و أكيد كيدا )) (15، 16 – الطارق).
و حقيقة الأمر أن الله يسلط على الإنسان الذي يخفي شيئا في نفسه إنسانا آخر يخفي شيئا في نفسه.. و هذا منتهى العدل.. بل نحن أمام ميزان مضبوط تماما.. ففي كلتا الكفتين نفس ماكرة تخفي شيئا.
ثم إنه من تماكر الإثنين بعضهما ببعض تظهر الحقيقة..
و هذه هي الدنيا..
و لهذا خلقها..
لإحقاق الحق..
ما خلق السماوات و الأرض إلا بالحق.
و هذا عين الخير في أمر خلق الدنيا برغم ما يبدو من دم جريمة و شر و بشاعة.. فالعبرة بالخواتيم..
و شرور الدنيا زائلة مهما استحكمت..
و لا أهمية لشر زائل مادام سوف يكشف لنا في الختام عن خير باق..
و لو فكر الواحد منا في الأمر تفكيرا هادئا، و لو تأمل ما يجري في الدنيا حوله في عمق لأدرك أن الأمر جاد برغم ما يبدو في الظاهر من هزل و عبث، فكل شيء محسوب، و كل شيء يجري بموازين دقيقة.
و نحن الماكرون الماهرون.. و كل واحد فينا يتصور أنه يخطط بفطانة.. و ذكاء.. نحن بدون أن ندري، يكشف بعضنا بعضا، و نكشف أنفسنا من خلال مآزق الشطرنج المتوالية التي تزجنا فيها المقادير، و نفتضح عبر هذا الفعل المتسلسل الذي اسمه الدنيا حتى لا تبقى فينا باقية.. ثم نموت و قد ظهر المكتوم.
و الذين يدركون تمام الإدراك لب القضية تصيبهم الرجفة من الرأس إلى القدم..
إن ما يجري في هذه الدنيا ليس عبثا..
بل إن الأمر جاد بصورة مخيفة.
و الرجل الماكر الذي يسألنا دائما.. كيف يذهب إنسان متحضر في السويد إلى جهنم.. كيف يذهب ذلك الرجل الأبيض النظيف الجميل اللطيف أستاذ التكنولوجيا إلى جهنم و يذهب حاج مغفل يبكي عند الكعبة إلى الجنة؟
نقول له: لقد ذهب ذلك الحاج الذي يبكي عند الكعبة بالفعل إلى الجنة من الآن.. إنه من الآن في الجنة.. لقد أدرك روح المسألة و اتصل بالعلم الكلي المطلق.. أما صاحبك فمازال يشتغل بالنحاس و الحديد و المنجنيز.. مازال مشغولا بالمسألة ذاتها.. لم يدرك روحها..
و هذا أمر يفيد في الدنيا.. و لكن لا قيمة له بعد ذلك و الله لم يمنعنا عن كشف الحديد و المنجنيز بل أمرنا به.
(( و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس )) (25- الحديد).
و ذلك أمر بإدراك المنافع في الحديد..
و لكن دين الله يقتضي منا التوغل وراء ذلك لإدراك روح المسألة بحثا عن نفع آخر باق.. و بذلك يجمع المسلم بين نفع الدنيا و نفع الآخرة، فالحديد و المنجنيز ليسا كل شيء.. فالحاج الذي يبكي عند الكعبة ليس مغفلا.. فهو يبكي بسبب علم آخر عميق تعلمه.. هو علمه بنفسه و علمه بربه.. و هو واقف على عتبة من العلم أعلى من صاحبنا أستاذ التكنولوجيا في السويد الذي وقف علمه عند الحديد و المنجنيز.
و أين هذا العارف بنفسه و العارف بربه.. من هذا العارف الآخر الذي توقفت معارفه عند المادة و قوانينها؟
إن المغفل الحقيقي هو الذي عرف المادة و غفل عن رب المادة..
و تحصيل العلوم المادية سهل و هو في الكتب و في المدارس و في مصر وحدها أكثر من عشرة آلاف حامل دكتوراه، و أكثر من مائة ألف حامل ماجستير و دبلوم.
و لكن كم في هذا البلد من الآحاد أو العشرات ممن يمكن أن يقال عنهم من العارفين بنفوسهم و العارفين بربهم.
لقد حصلت علوم الطب و أنا شاب..
و هأنذا أكتهل دون أن أن أصل إلى معرفة بنفسي و بربي.. فتلك ذروة لا يبلغها إلا الأفراد..
هؤلاء الذين قال عنهم ربهم:
(( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا و بكيا )) (58 – مريم).
ذلك حال صاحبنا الذي سجد باكياً عند الكعبة..
و تلك مرتبة و منزلة و درجة بينها و بين صاحبنا النظيف اللطيف الذكي المتحضر أستاذ التكنولوجيا السويدي سبع سماوات.. هذا سيد من سادة الأرض، صاحب ملك محدود في زمن محدود.. و ذلك سيد على الأولين و الآخرين له في السماوات ملك بلا حدود في أبد بلاتناه..
فمن هو المغفل بالحقيقة؟
و من هو الفائز بالحقيقة؟
و لكن نحن في عصر مادي.. و ذكر الجنة و السماوات أمر يبتسم له أهل الدنيا و سادتها الماكرون، و يضحكون فيه على سذاجتنا و لا أحد يهتم في هذه الدنيا إلا بالربح العاجل..
و لهذ اقتضى العدل أن يتعامل الله مع هؤلاء الماكرين.. بالمكر الإلهي..
(( و مكروا مكراً و مكرنا مكراً )) (50 – النمل).
و ما هم فيه من رخاء و غنى و علو.. هو استدراج و ليس علواً.
(( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )) (44 – القلم).
(( أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )) (55، 56 – المؤمنون).
(( و قد مكروا مكرهم و عند الله مكرهم و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال )) (46 – إبراهيم).
و صاحبنا الذكي الذي لا تنفد له حجج إذا رآنا نحكم حول عنقه حلقات المنطق و إذا شعر بمنطقنا يوشك أن يسكته ما يلبث أن يصرخ.
و ماذا أساوي أنا إلى جوار عظمة الله.. و لماذا يعذبني الله و أنا لا أساوي شيئا.. و هل أنا إلا ذرة تافهة؟
و هو تواضع كاذب و انكسار مفتعل لأنه لو شعر حقاً بعظمة ربه و بتفاهة نفسه لخر ساجداً باكياً أمام هذه العظمة، و لشعر بالخشوع أمام تلك الهيبة.. إنما هي الملاحاة و الجدل.
و نرد على مكره فنقول:
لست تافهاً عند ربك و لا هين الشأن، فقد نفخ فيك من روحه، و أسجد لك ملائكته، و سخر لك أكوانه كلها، و أعطاك التسرمد و الخلود، و منحك الحرية.. إن شئت كنت ربانياً.. و إن شئت كنت شيطانياً.
فأين هوان الشأن من هذا كله.
بل هو تحايل الماكرين حينما يصبح ظهرهم إلى الحائط و تتقطع بهم الحجج فيتمسكنون و يتماوتون و يتخافتون و يتهامسون.. هل نحن إلا ذباب يارب..
و هل للتراب أن يتطاول..
و هل للطين عندك شأن يساوي أن تحفل به و تعذبه؟ و لو أحس الواحد منهم بالفعل أنه تراب، و لوانطلقت أعماله و أقواله من هذا الإحساس لكان له مع الله حال غير الحال و شأن غير الشأن.
و لكنه المكر..
و مهما تماكروا.. فالله أمكر
..
دكتور مصطفي محمود رحمة الله عليه
أحبك

القارب الفارغ
لقد كان من تقاليد البحارة حين يلتقون بحوت كبير في البحر أن يلقوا إليه بقارب صغير فارغ لينشغل بمهاجمته عن مهاجمة السفينة الأصلية حتي لا يغرقها.. ثم يحاولون ـ خلال انشغاله بملاطمة القارب الفارغ ـ صيده أو النجاة بسفينتهم بعيدا عنه.. وكذلك ينبغي أن نفعل نحن أيضا مع حوت أحزاننا وهمومنا لكيلا يلتهمنا ويقضي علينا, أن نشغله عنا.. بالاندماج في العمل والحياة الاجتماعية والعلاقات العائلية والمجاملات الإنسانية ووسائل الترويح المشروعة عن النفس.. وبالتفكير في المستقبل.. والعمل من أجله.. ونتذكر حقوق الأعزاء علينا وعمق احتياجهم لنا وواجباتنا تجاههم وبالاهتمام بالأشياء الصغيرة في الحياة, التي تصرف أذهاننا ولو للحظات عن التفكير في أحزاننا, فالطبيعة ضد الفراغ.. وخلو عقل الإنسان مما يشغله من الأمور الإيجابية ولو للحظات لا يعني إلا تسلل الهموم والأحزان إليه, والفارق بين من يعين نفسه علي أحزانه.. ومن يعين أحزانه عليه هو الفارق بين من يهلع لقضاء لا راد له, ويظل مقيما علي هذا الهلع بعد فترة الصدمة الأولي وإلي ما لا نهاية.. وبين من يتصبر ويتجلد أمام القضاء حتي ولو كان قد انفطر قلبه من الحزن الصادق في البداية فيصبح كمن قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي:
وصابر تلهج الدنيا بنكبته
تخاله من جميل الصبر مانكبا
عبد الوهاب مطاوع
رغبتك في زاهد فيك مذلة نفس.. وزهدك في راغب فيك نقصان حظ
فتقليل الخسائر الإنسانية بعد التسليم بالفشل من مقتضي الحكمة.. والاعتراف بالهزيمة في الوقت الملائم شجاعة نفسية تحجم الأضرار وتضيق نطاقها وتعفي الضحايا من معاناة لا طائل وراءها
----------------------------------
ومن أجمل ماقرأت لفضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قوله: إن الزواج ليس عشقا لمفاتن الأنثي, وإنما هو إقامة بيت علي السكينة والآداب الاجتماعية, وفي إطار من الإيمان بالله والعيش وفق تعاليمه وهدايته, ولأن الأمر كذلك فأنه ليس أيضا مجرد وسيلة لتحقيق الطموح إلي الحياة السهلة الناعمة من أقصر الطرق
والمزارعون يقولون إن البذور السليمة تنتج عادة ثمارا صحيحة صالحة.. وأن البذور الفاسدة لا تثمر إن أثمرت إلا الثمار المريضة غير الصالحة.
----------------------------
المرأة قد تكتم الحب أربعين عاما, لكنها لا تكتم الكراهية يوما واحدا, والرجل لايكتم الحب يوما واحدا وقد يكتم الكراهية أربعين عاما
---------------------------------------------------
لإمام علي بن أبي طالب يقول: رغبتك في زاهد فيك مذلة نفس.. وزهدك في راغب فيك نقصان حظ.
عبد الوهاب مطاوع
إذا ابتسم المهزوم فقد المنتصر لذة النصر

واستطرادا لهذا المعني فإن احتراقك الآن بالغيرة والألم والغضب والحسرة هو انتصار للخصم الذي يكبدك كل هذه الآلام.. وان تخلصك من كل المعاناة وتعاليك عليها.. وتعاملك مع الأمر كله بواقعية تضعه في حجمه الصحيح يفقد خصمك; هذا النصر الرخيص ويعيدك إلي الثقة في النفس والخير والحق والحياة.. والأمل في تعويض السماء وفي كثير من لايجد المرء لها علاجا أنجع مما قاله الشاعر العربي ابن المعتز:
اصبر علي كيد الحسود
ان صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
ان لم تجد ماتأكله
عبد الوهاب مطاوع
حتي لو بدا لنا أنه يمضي في الحياة سالما من كل سوء
والإنسان ليس في حاجة ـكما أومن دائماـ إلي أن ينتقم من ظالمه بيده, لأن قانون السماء سوف يعفيه من مئونة ذلك ويقتص له ممن أساء إليه بغير أن يلوث هو يده بدمه, ولن يطول الأمد حتي يكون الجاني قد أدي ضريبة ما فعل من حياته أو سعادته أو صحته أو ماله أو بنيه. فحتي لو بدا لنا أنه يمضي في الحياة سالما من كل سوء, فإن ما ينتظره من عقاب السماء قد يهون إلي جواره كل عقاب الأرض ما لم يتبرأ هو من جرمه ويندم عليه ندماصادقا ويكفر عنه ويطلب الصفح والعفو من أصحاب الحق عليه.
ولقد كان المفكر الفرنسي جان جاك روسو يقول إنه في أوقات الضيق يتسلي بالتفكير فيما سوف يناله الظالمون من عقاب صارم علي مظالمهم في السماء! ونحن لدينا الكثير مما هو أهم من التفكير في الاقتصاص من الظالمين, لكي نوليه رعايتنا ونركز عليه فكركنا في المرحلة الحالية
عبد الوهاب مطاوع.
كلمات ,مقتطفات ,من هنا وهناك اعجبتني ::2:: اتخاذ القرارات
كلمات ,مقتطفات ,من هنا وهناك اعجبتني ::1:: نحن أمواج أن تسترح تمت!

Saturday, April 17, 2010
الي عنده كتب للمبادلة(متجدد ):::انت بتقرأ ايه دلوقتي

مكاشفة القلوب ................الامام الغزالي
هكذا علمتني غربتي ........سامر نبيل
جدد حياتك....................الغزالي
مصر ليست امي دي مرات ابويا ............اسامة غريب
ثقوب في الضمير ,نظرة علي احوالنا ........د.احمد عكاشة
قصة ايامي.................الشيخ كشك
هموم داعية ..........محمد الغزالي
امبراطورية روتشيلد
شمس العرب تسطع علي الغرب .....زغريد هونكة
سير ذاتية عربية من ابن سينا حتي علي باشا مبارك ......مصطفي نبيل
دع القلق و ابدأ الحياة .....الافضل علي الاطلاق ابدا لا تمل منه ....ديل كارينجي
هكذا علمتني الحياة.........د.مصطفي السباعي
مجموعة ممتعة جدا لانيس منصور :-
ثم راحت سنابل القمح تقطر دما
اعجب الرحلات في التاريخ
وداعا ايها الملل
لعنة الفراعنة و شئ وراء العقل
الخالدون
شباب شباب
قل لي يا استاذ
زمن الهموم الكبيرة
مذكرات شاب غاضب
Friday, April 16, 2010
بسمتُ فقالوا يُرائي بهــا ***** عبستُ فقالوا بدا ما كتــم

بسمتُ فقالوا يُرائي بهــا ***** عبستُ فقالوا بدا ما كتــم!!
صَمَتُّ فقالوا كليل اللسان ***** نطقتُ فقالوا كثير الكَــــلِم!!
حَلِمتُ فقالوا صنيع الجبان ***** ولو كان مقتدراً إذاً لانتقــــــم!!
بسلتُ فقالوا لطيشٍ بـــــه ***** وما كان مجترئاً إذاً لو حــكم!!
يقولون شَذَّ إذا قلــتُ لا ***** وإمَّعةً حين وافقتهــــــم!!
فأيقنت أني مهمـــــا أردت ***** رضا الناس لابد من أن أُذم!!