ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون . حتى إذا جاءنا قال:يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين . فبئس القرين . ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون). .
والعشى كلال البصر عن الرؤية , وغالباً ما يكون عند مواجهة الضوء الساطع الذي لا تملك العين أن تحدق فيه ; أو عند دخول الظلام وكلال العين الضعيفة عن التبين خلاله . وقد يكون ذلك لمرض خاص . والمقصود هنا هو العماية والإعراض عن تذكر الرحمن واستشعار وجوده ورقابته في الضمير .
(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين). .
وقد قضت مشيئة الله في خلقة الإنسان ذلك . واقتضت أنه حين يغفل قلبه عن ذكر الله يجد الشيطان طريقه إليه , فيلزمه , ويصبح له قرين سوء يوسوس له , ويزين له السوء . وهذا الشرط وجوابه هنا في الآية يعبران عن هذه المشيئة الكلية الثابتة , التي تتحقق معها النتيجة بمجرد تحقق السبب , كما قضاه الله في علمه .
ووظيفة قرناء السوء من الشياطين أن يصدوا قرناءهم عن سبيل الله , بينما هؤلاء يحسبون أنهم مهتدون:
(وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون). .
وهذا أسوأ ما يصنعه قرين بقرين . أن يصده عن السبيل الواحدة القاصدة ; ثم لا يدعه يفيق , أو يتبين الضلال فيثوب ; إنما يوهمه أنه سائر في الطريق القاصد القويم ! حتى يصطدم بالمصير الأليم .
والتعبير بالفعل المضارع:(ليصدونهم). .(ويحسبون). . يصور العملية قائمة مستمرة معروضة للأنظار ; يراها الآخرون , ولا يراها الضالون السائرون إلى الفخ وهم لا يشعرون .
ثم تفاجئهم النهاية وهم سادرون:
(حتى إذا جاءنا قال:يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين . فبئس القرين)!
وهكذا ننتقل في ومضة من هذه الدنيا إلى الآخرة . ويطوى شريط الحياة السادرة , ويصل العمي (الذين يعشون عن ذكر الرحمن)إلى نهاية المطاف فجأة على غير انتظار . هنا يفيقون كما يفيق المخمور , ويفتحون أعينهم بعد العشى والكلال ; وينظر الواحد منهم إلى قرين السوء الذي زين له الضلال , وأوهمه أنه الهدى