فَمنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى
فصل ثمرة التقوى
تأملت قوله تعالى: « فَمنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى » .
قال المفسرون: هداي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابي.
فوجدته على الحقيقة أن كل من اتبع القرآن والسنة وعمل بما فيهما فقد سلم من الضلال بلا شك وارتفع في حقه شقاء الآخرة بلا شك إذا مات على ذلك.
وكذلك شقاء الدنيا فلا يشقى أصلاً ويبين هذا قوله تعالى: « وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعلْ لَهُ مَخْرجاً » .
فإن رأيته في شدة فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصاب عنده عسلاً.
وإلا غلب طيب العيش في كل حال.
فأما الملازم لطريق التقوى فلا آفة تطرقه ولا بلية تنزل به هذا هو الأغلب فإن وجد من تطرقه البلايا مع التقوى فذاك في الأغلب لتقدم ذنب يجازي عليه فإن قدرنا عدم الذنب.
فذاك لإدخال ذهب صبره كير البلاء حتى يخرج تبراً أحمر فهو يرى عذوبة العذاب.
لأنه يشاهد المبتلي في البلاء الألم.
قال الشبلي: أحبك الناس لنعمائك وأنا أحبك لبلائك فصل الاستكانة للمعصية لا ينال لذة المعاصي إلا سكران بالغفلة.
فأما المؤمن فإنه لا يلتذ لأنه عند التذاذه يقف بإزائه علم التحريم وحذر العقوبة.
فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي فيتنغص عيشه في حال التذاذه.
فإن غلب سكر الهوى كان القلب متنغصاً بهذه المراقبات وإن كان الطبع في شهوته.
وما هي إلا لحظة ثم خذ من غريم ندم ملازم وبكاء متواصل وأسف على ما كان مع طول الزمان.
حتى أنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذر العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها وما أسوأ أخبارها ولا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة.
صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ...الروم 6