ليس المؤمن بالذي يؤدي فرائض العبادات صورة ويتجنب المحظورات فحسب إنما المؤمن هو الكامل الإيمان لا يختلج في قلبه اعتراض ولا يساكن نفسه فيما يجري وسوسة.
وكلما اشتد البلاء عليه زاد إيمانه وقوي تسليمه.
وقد يدعو فلا يرى للإجابة أثراً وسره لا يتغير لأنه يعلم أنه ممولك وله مالك يتصرف بمقتضى إرادته.
فإنه اختلج في قلبه اعتراض خرج من مقام العبودية إلى مقام المناظرة كما جرى لإبليس.
فقد يرى مثل يحيى بن زكريا يتسلط عليه فاجر فيأمر بذبحه فيذبح وربما اختلج في الطبع أن يقول فهل رد عنه من جعله نبياً.
وكذلك كل تسلط من الكفار على الأنبياء والمؤمنين وما وقع رد عنهم فإنه هجس بالفكر أن القدرة تعجز عن الرد عنهم كان ذلك كفراً.
وإن علم أن القدرة متمكنة من الرد وما ردت وأن الله قد يجيع المؤمنين ويشبع الكفار ويعافي العصاة ويمرض المتقين لم يبق إلا التسليم للمالك وإن أمض وأرمض.
.
وقد ذهب يوسف بن يعقوب عليهما السلام فبكى يعقوب ثمانين سنة ثم لم ييأس فلما ابنه الآخر قال: « عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَميعاً » .
وقد دعا موسى عليه السلام على فرعون فأجيب بعد أربعين سنة.
وكان يذبح الأنبياء ولا ترده القدرة القديمة العظيمة وصلب السحرة وقطع أيديهم.
وكم من بلية نزلت بمعظم القدر فما زاده ذلك إلا تسليماً ورضىَ فهناك يبين معنى قوله: « وَرَضُوا عنه » .
وههنا يظهر قدر قوة الإيمان لا في ركعات.
قال الحسن البصري: استوى الناس في العافية فإذا نزل البلاء تباينوا.
أضر ما على العوام المتكلمون فإنهم يخلطون عقائدهم بما يسمعونه منهم.
صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي