وقال الحكماء : ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها : شرب السم للتجربة ، وإفشاء السر إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة ، وركوب البحر وإن كان فيه غنى . ويروى : أصبر الناس من لا يفشي سره إلى صديقه مخافة التقلب يوما ما . وقال بعض الحكماء : القلوب أوعية الأسرار ، والشفاه أقفالها ، والألسن مفاتيحها ، فليحفظ كل منكم مفاتيح سره .
وقال أكثم بن صيفي : إن سرك من دمك ، فانظر أين تريقه . وكان يقال : أكثر ما يتم تدبير الكتمان . وقال الشاعر :
وسرك ما كان عند امرئ وسر الثلاثة غير الخفي
وقال آخر :
فلا تخبر بسرك كل سر إذا ما جاوز الاثنين فاش
وقالت طائفة : إنما السر ما أسررته في نفسك لم تبده إلى أحد . قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : ما استودعت رجلا سرا فأفشاه فلمته لأني كنت به أضيق صدرا حيث استودعته إياه .
وإلى ذا ذهب القائل :
إذا المرء أفشى سره بلسانه ولام عليه غيره فهو أحمق
" وقال آخر :
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
وقال آخر :
إذا ما ضاق صدرك عن حديث فأفشته الرجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثي وسري عنده فأنا الظلوم
فإني حين أسأم حمل سري وقد ضمنته صدري مشوم
ولست محدثا سري خليلا ولا عرسي إذا خطرت هموم
وأطوي السر دون الناس إني لما استودعت من سر كتوم
[ وقد ذكر من أضجره كتم الأسرار وأنها تغلي في قلبه غليان النار ، ما ذاع وشاع في النثر والأشعار ، فمنه :
ولا أكتم الأسرار لكن أبثها ولا أدع الأسرار تقتلني غما
وإن سخيف الرأي من بات ليله حزينا بكتمان كأن به حمى
وفي بثك الأسرار للقلب راحة وتكشف بالإفشاء عن قلبك الهما
وقال آخر :
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن ضعيف القلب من بات ليله تقلبه الأسرار جنبا على جنب
والحاصل أن على العاقل كتمان السر ، والله ولي الأمر . وقال آخر :
لا تودعن ولا الجماد سريرة فمن الجوامد ما يشير وينطق
وإذا المحك أذاع سر أخ له وهو الجماد فمن به يستوثق