لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً
ليأسك، فهو ضمن لك الاستجابة فيما يختاره لك، لا فيما
تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد
بن عطاء الله السكندري
تعالوا نتساءل عن معنى الدعاء، إذ كثيرون هم الذين يلتبس عليهم الطلب بالدعاء، وبينهما فرق كبير.الطلب وصف للفظ ينطق به الطالب، أما الدعاء فعبارة عن حالة نفسية تعتري الطالب
فيسمى طلبه عند ذلك دعاء. والحالة النفسية التي من أجلها يسمى الطلب دعاء، تلك التي يتحقق فيها أمران اثنان: أولهما: يقظة القلب والمشاعر، واتجاه كل منهما بانكسار وتذلل إلى الله عز
وجل. فأما إن لم يكن القلب يقظاً ولا المشاعر متفاعلة مع الطلب اللساني، في حالة من التذلل والانكسار، وإنما كان اللسان ينطق بكلمات محفوظة مع امتداد آليّ للكفين حسب الطقوس والعادة، مع شرود الذهن وانصراف المشاعر إلى أفكار أخرى، فإن هذا لا يسمى دعاء بالمعنى الشرعي المطلوب الذي يتحدث عنه ابن عطاء الله في هذه الحكمة. وإنما يسمى طلباً، وهي تسمية لغوية يصطلح عليها علماء اللغة العربية، عند حديثهم عن الإخبار والإنشاء.إذن، فلا
تقل والحالة هذه: إن فلاناً قد دعا الله. ولكن قل: قد طلب.
وإذا لم يكن هناك دعاء فلماذا تنتظر الاستجابة؟كثيرون هم الذين يتحرقون سعياً وراء أحلام ورغائب دنيوية يطمحون إليها، يسمع أحدهم أن ثمة أدعية معينة إن دعا بها الإنسان استجيب دعاؤه، فيتتبع صيغ هذه الأدعية من بطون الكتب، أو يسأل عنها من يرجو أن يكون لديهم علم بها، من العلماء أو طلاب العلم الشرعي، ثم إنه يقبل إلى هذه الصيغ يحفظها كما يحفظ التلميذ درسه، ثم يسرد ألفاظها في حركة طقوسية مجردة، وتنظر إلى حاله مع الله، وإذا هو من المعرضين عنه وعن وصاياه وأوامره وتعليماته. ولكنها الرعونة التي عبر عنها المثل العربي القائل: «صاحب الحاجة أرعن لا يروم إلا قضاءها».فإذا كرر هذه الألفاظ التي حفظها، ونظر فلم يجد استجابة لطلبه وبقيت أحلامه وهماً حبيساً في ذهنه وفكره، أعلن الشكوى والعتبلى الله وقال: ها أنا قد دعوت فلم يستجب لي، فأين أنا من مصداق الآية القائلة : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها } { هود:11/61 } ثانيهما: أن يبدأ الداعي فيتوب إلى الله من المعاصي التي ارتكبها في حقه. ويجعل من توبته الصادقة شفيعاً بين يدي دعائه.فأما الذي يواصل العكوف على معاصيه، ويتجه في الوقت ذاته إلى الإله الذي يعصيه، يطلب منه تحقيق أحلامه وحاجاته، فهو لا يتعامل مع عقله فضلاً عن كونه بعيداً عن التعامل المنطقي مع ربه!..تصور - ولله المثل الأعلى - رجلاً قد أساء إلى مسؤول
ذي شأن كبير، وجاء في الوقت ذاته يسأله قضاء بعض حوائجه، دون أن يبدأ فيعتذر عن إساءاته وسوء تصرفه، لا السائل يعدّ منطقياً في سؤاله، ولا المسؤول يُتوقع منه أن يستجيب لطلبه. والإنسان أخو الإنسان أياً كانت الصلة بينهما، أما الإنسان مع الله: فمملوك مع مالك، ومخلوق مع خالق، وعبد ذليل مع معبوده الواحد بالحق.فكيف يقبل كلٌّ من الرشد والمنطق أن يدخل العبد رحاب الله عز وجل وهو مثقل بالأوزار التي ارتكبها في حقه عز وجل، دون أن يبدأ فيلقيها عن كاهله بتوبة صادقة نصوح، ثم يطلب منه قائمة طلباته؟!.. طلب الله منه أن لا يعصيه فعصاه، ثم طلب الله
منه بعد التورط في العصيان أن يتوب إليه فأبى. ومن خلال عصيانه وإصراره على العصيان، وعزمه على الاستمرار، جاء يقدم إلى الله قائمة طلباته، ثم أخذ يلحف في الطلب.. ثم أخذ يعتب على الله أنه دعاه فلم يستجب، خلافاً لما قد وعد!!..أيعقل أن يقدم على هذا إنسان ذو إنسانية مستيقظة؟
ليأسك، فهو ضمن لك الاستجابة فيما يختاره لك، لا فيما
تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد
بن عطاء الله السكندري
تعالوا نتساءل عن معنى الدعاء، إذ كثيرون هم الذين يلتبس عليهم الطلب بالدعاء، وبينهما فرق كبير.الطلب وصف للفظ ينطق به الطالب، أما الدعاء فعبارة عن حالة نفسية تعتري الطالب
فيسمى طلبه عند ذلك دعاء. والحالة النفسية التي من أجلها يسمى الطلب دعاء، تلك التي يتحقق فيها أمران اثنان: أولهما: يقظة القلب والمشاعر، واتجاه كل منهما بانكسار وتذلل إلى الله عز
وجل. فأما إن لم يكن القلب يقظاً ولا المشاعر متفاعلة مع الطلب اللساني، في حالة من التذلل والانكسار، وإنما كان اللسان ينطق بكلمات محفوظة مع امتداد آليّ للكفين حسب الطقوس والعادة، مع شرود الذهن وانصراف المشاعر إلى أفكار أخرى، فإن هذا لا يسمى دعاء بالمعنى الشرعي المطلوب الذي يتحدث عنه ابن عطاء الله في هذه الحكمة. وإنما يسمى طلباً، وهي تسمية لغوية يصطلح عليها علماء اللغة العربية، عند حديثهم عن الإخبار والإنشاء.إذن، فلا
تقل والحالة هذه: إن فلاناً قد دعا الله. ولكن قل: قد طلب.
وإذا لم يكن هناك دعاء فلماذا تنتظر الاستجابة؟كثيرون هم الذين يتحرقون سعياً وراء أحلام ورغائب دنيوية يطمحون إليها، يسمع أحدهم أن ثمة أدعية معينة إن دعا بها الإنسان استجيب دعاؤه، فيتتبع صيغ هذه الأدعية من بطون الكتب، أو يسأل عنها من يرجو أن يكون لديهم علم بها، من العلماء أو طلاب العلم الشرعي، ثم إنه يقبل إلى هذه الصيغ يحفظها كما يحفظ التلميذ درسه، ثم يسرد ألفاظها في حركة طقوسية مجردة، وتنظر إلى حاله مع الله، وإذا هو من المعرضين عنه وعن وصاياه وأوامره وتعليماته. ولكنها الرعونة التي عبر عنها المثل العربي القائل: «صاحب الحاجة أرعن لا يروم إلا قضاءها».فإذا كرر هذه الألفاظ التي حفظها، ونظر فلم يجد استجابة لطلبه وبقيت أحلامه وهماً حبيساً في ذهنه وفكره، أعلن الشكوى والعتبلى الله وقال: ها أنا قد دعوت فلم يستجب لي، فأين أنا من مصداق الآية القائلة : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها } { هود:11/61 } ثانيهما: أن يبدأ الداعي فيتوب إلى الله من المعاصي التي ارتكبها في حقه. ويجعل من توبته الصادقة شفيعاً بين يدي دعائه.فأما الذي يواصل العكوف على معاصيه، ويتجه في الوقت ذاته إلى الإله الذي يعصيه، يطلب منه تحقيق أحلامه وحاجاته، فهو لا يتعامل مع عقله فضلاً عن كونه بعيداً عن التعامل المنطقي مع ربه!..تصور - ولله المثل الأعلى - رجلاً قد أساء إلى مسؤول
ذي شأن كبير، وجاء في الوقت ذاته يسأله قضاء بعض حوائجه، دون أن يبدأ فيعتذر عن إساءاته وسوء تصرفه، لا السائل يعدّ منطقياً في سؤاله، ولا المسؤول يُتوقع منه أن يستجيب لطلبه. والإنسان أخو الإنسان أياً كانت الصلة بينهما، أما الإنسان مع الله: فمملوك مع مالك، ومخلوق مع خالق، وعبد ذليل مع معبوده الواحد بالحق.فكيف يقبل كلٌّ من الرشد والمنطق أن يدخل العبد رحاب الله عز وجل وهو مثقل بالأوزار التي ارتكبها في حقه عز وجل، دون أن يبدأ فيلقيها عن كاهله بتوبة صادقة نصوح، ثم يطلب منه قائمة طلباته؟!.. طلب الله منه أن لا يعصيه فعصاه، ثم طلب الله
منه بعد التورط في العصيان أن يتوب إليه فأبى. ومن خلال عصيانه وإصراره على العصيان، وعزمه على الاستمرار، جاء يقدم إلى الله قائمة طلباته، ثم أخذ يلحف في الطلب.. ثم أخذ يعتب على الله أنه دعاه فلم يستجب، خلافاً لما قد وعد!!..أيعقل أن يقدم على هذا إنسان ذو إنسانية مستيقظة؟
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي